الروائي جاسم الرصيف

روائي وصحفي عراقي

7.10.2006

عرض لرواية ( مزاغل الخوف ) د. مي أحمد

.عرض رواية جاسم الرصيف : مزاغل الخوف



د.مــي أحمد



أقضي عدة ساعات يوميا في المكتبة الوطنية للبلد الذي أقيم فيه حاليا , لكنني نادرا ما أزور القسم العربي فيها ... الكتب التي فيه ليست متنوعة بالحد الكافي ولا يدخل أغلبها ضمن قائمة اهتماماتي . لكن مناسبة طيبة حملتني الى ذلك القسم في المكتبة لأجد ثلاثة من روايات الروائي العراقي الكبير الاستاذ جاسم الرصيف والتي سأعرضها بالتتابع .
رواية مزاغل الخوف تقع في كتاب من 317 صفحة من القطع المتوسط ومع ذلك فقد شدتني لدرجة انني أكملت قراءتها في يومين فقط .
أحداثها وكما يقول الروائي تقع في ( أرض خارجة على القانون وبين بشر مطارد يتناهبه القراد ووطن يمشي على قدمين متعاديتين ) ... وهو حقا وصف ينطبق على العراق , كل العراق .


لا أحب الحديث عن نفسي , لكني سأتحدث عن العراق من خلال عيني كشاهدة على الاحداث .
في مرحلة البكالوريوس كان صفي مكونا من 17 طالبا و3 طالبات . وحين وصلت الى مرحلة الماجستير حصد الموت روح زميلتين واحدة حرقا والاخرى في حادث سيارة .. فيما حصدت قادسية صدام ( المجيدة ) أرواح زملائي الشباب ولم تترك إلا واحدا منهم بعد اعفائه من الخدمة العسكرية بسبب تعوقه بانفجار لغم ارضي عليه .

ولا أظن أن تلك بداية مشجعة لرحلة سعيدة مع الحياة حيث تبدأ الشعور بالذنب كونك الناجي الوحيد من تلك المحرقة .


القيادة ( التاريخية الفذة والملهمة ) قامت عام 1982 بمنع السفر على العراقيين فتحول العراق بأجمعه الى سجن كبير ... وحتى تكتمل اللعبة فقد كنت أعمل في مؤسسة ثقافية تعدها ايران من ضمن الاماكن التي ينبغي تدميرها ... لذلك كان علينا التوقيع يوميا في سجل خاص أثناء الدخول الى العمل أو الانصراف منه .. ذات يوم تجرأت وسألت الضابط المسؤول عن هذا السجل عن سبب توقيعنا فقال : من أجل ان نعرف من كان داخل الدائرة اذا تم تفجيرها !! .
اذن ما أسعدني وأنا أوقع يوميا في سجل الخسائر طول فترة الحرب مع أيران !! .

وحتى تأخذ اللعبة أقصى حدودها قامت ليبيا العظمى بتزويد ايران بصواريخ تصل مدياتها الى داخل بغداد ... عندها بدأت حرب دك المدن بالصواريخ ... هل نسيتم تلك الايام ؟
واحد من هذه الصواريخ سقط على بيت صديقتي فقتل ابنها وابنتها اللذين لم انس صورتهما لحد اليوم ... وبعد عدة أشهر سقط آخر على مدرسة بلاط الشهداء فقتل فيمن قتل ... ثلاثة ابناء لزميل لي في الجامعة .
والى ان انتهت الحرب ... كان الحي البغدادي الراقي جدا الذي أسكنه قد تحول ــ والاستعارة من جاسم الرصيف ــ. الى ( حي التنك ) , بعد الدمار الاقتصادي الذي عاناه العراقيون بسبب الحرب .. فتحولت قصور حينها الى ( مجمعات سكنية ) بعد تقسيم كل واحد منها الى ستة أو سبعة بيوت من أجل الاستفادة من ايجاراتها . .

خلال هذه الفترة كنت قد كتبت بحثين جامعيين الاول عن رائعة بول فاليري .. فاوست كما أراه حيث يرسم العمل نقطتين واحدة للخير واخرى للشر ويربطهما بخط وهمي ويحاول فهم آليات ودوافع حركة الانسان على هذا الخط بين نقطتي الخير والشر .
كان وقع الحرب علينا أكبر من قاسي , ويعري في طريقه الكثير من القيم الانسانية الحقيرة التي كانت مستورة في زمان ما قبل الحرب .... وكان هذا هو دافعي لاختيار عمل فاليري لجعله مادة لبحثي
وكان ضغط الحياة شديدا تلك الايام ... لكني انتبهت الى ان الناس صارت تضحك بكثرة وهذا دفعني لكتابة البحث الثاني عن موضوع برغسون: ( رسالة في الضحك ) !! .
برأي برغسون .. الانسان وحده هو الكائن الضاحك ... وضحكه علامة نضج حضاري لاتمتلكها الكائنات الاخرى .. وعنصر المفارقة في أي موضوع سيصيب البشر باختلاجات عضلية تشعرهم بالدغدغة التي يندفع معها الهواء من الرئتين الى الخارج بطريقة ... نطلق عليها تسمية الضحك !! . .

ليس سارا دائما الموضوع الذي يؤدي الى حصول تلك الاختلاجات ... لكن النتيجة دائما هي نفسها : انك تضحك ... أحيانا كثيرة من الالم .. وليس بسبب السعادة أو الفرح !! .
اعترف انني وفي كل حياتي , ضحكت ثلاث مرات داخل مكتبة عامة ... المرة الاولى عند قراءة رواية ( كنديد ) لفولتير ... في الفصل الذي باع فيه النخاس ( كنديد ) الى عجوز عربي لديه اربع زوجات جميلات ... مما حدا بذلك العجوز لبيع كنديد الى فارسي شاذ للانتقام منه بطريقة معاكسة !! .
والمرة الثانية التي جلجلت فيها ضحكاتي في أرجاء المكتبة ... كانت وأنا أقرأ الهراء الذي يسمونه ترجمة كتاب أرسطو ( فن الشعر ) الى العربية على يد القنائي .. الرجل كان سريانيا ولغتاه العربية واليونانية ضعيفتان جدا ... ويحاول ترجمة أرسطو كما يحلو له من اليونانية الى العربية ... ولم أجد نفسي إلا وأنا أقرقع بالضحك حين وصلت الى ترجمته للمصطلح الارسطي ( الإله من الآله) !! .



المرة الثالثة كانت على يد جاسم الرصيف في روايته الرائعة ( مزاغل الخوف ) . فقد قرقعتها ضحكة مجلجلة هزت أركان المكتبة لم استطع معها الا الفرار ركضا الى الخارج ...
ولكن مهلا ... تنبهوا ... فرواية مزاغل الخوف , رواية سادية تقتلكم بدم بارد ... وأداة القتل هي الضحك ... ألم تسمعوا بالموت ضحكا ؟ ... أو الضحك الى حد البكاء ؟ هذه هي رواية جاسم الرصيف.
الاستاذ جاسم الرصيف عراقي من اهل الموصل ومن مواليد 1950 ... وهذا معناه أن قادسية صدام ( المجيدة ) قد شملته بمكارمها شاء أم أبى ... وتركت في نفسه صدى ألمسه في كل تعابيره .



في مزاغل الخوف ... اختارالاستاذ جاسم الرصيف من الحرب تلك الفترة الواقعة في نهاية الحرب العراقية الايرانية مرورا بعامين من العذاب جوعا .. وصولا الى الخازوق الثاني الذي اسمه اجتياح الكويت .



ثيمة الرواية : تقع في ( حي التنك ) بمدينة الموصل .. لكن وانت تقرأ تشعر ان كل العراق كان في حي التنك .
حكومة السيد صدام ( اسمه في الرواية : غمام البين ) قررت ان تستبدل شيوخ العشائر القدماء بشيوخ جدد يقوم بصنعهم المحافظ والقائممقام ودائرة الامن أو المخابرات , الغرض من ذلك جعل العشائر محكومة من قبل شيوخ صنائع للحكومة .
يجلبون واحدا ... مجرد اسمه ... اسمه فقط .. سبة بين الناس ويجعلونه شيخ عشيرة , يستدعى الى القصر الجمهوري لمقابلة السيد الرئيس ... لكنه يقابل عوضا عنه واحدا من السعاة .. ويتسلم مبلغا من المال وسيارة حمراء اللون ... فيعود منتفخا الى الموصل الفيحاء .. ساعيا لتجنيد أبناء حي التنك جنودا في قادسية صدام ( المجيدة ) . هذا الشيخ ... اسمه الشيخ بعيو , بعيو أو بعيوة معناها : حيوان .. بعيو هو الذي لا يعي شيئا .
لديه مساعدان ... هما اولاد عمه : شعيط ومعيط .

فأي مجتمع هذا الذي يدار من قبل بعيو , أو شعيط , أو معيط ؟.
قصة الرواية تذكر بمسرحية برتولد برخت ( السيد بونتيللا وتابعه ماتي ) في أكثر من موقع من مواقعها غير ان الحس العراقي والنكهة العراقية والمأساة العراقية تعطي الرواية طعما ورائحة حادتين جدا لم تتمتع بهما مسرحية برخت .



حبكة الرواية :
ــــــــــــــــــــــــ
اعتمد الاستاذ جاسم الرصيف في ادارة حبكة هذه الرواية على فعلين بينهما قدر من تفاوت القوة , ولكن متعاكسين في الاتجاه ... والصمام الذي تلتقيان عنده والذي سيتم تفجيره عند نهاية الرواية هو ... الشيخ بعيو نفسه .
القوة الاولى هي قوة الحكومة ابتداء من رأس السلطة الذي تسميه الرواية ( السيد الرئيس ) أو ( غمام البين ) وحسبما تقتضي أحداث الرواية .. مرورا بضباط القصر والمخابرات والامن وصولا الى المحافظ والقائممقام ... مرورا بجميع رفاق حزب البعث من أمين السر وصولا الى أصغر الحلقات .

تسعى هذه القوة للسيطرة على القوة الثانية بواسطة أداة تقليدية تعارف المجتمع على احترام قراراتها ... هذه الاداة التقليدية هي شيخ العشيرة . وحيث ان أغلب شيوخ العشائر العراقية لم يتربوا التربية الحزبية الكافية , وبالتالي فحتى بعد اغرائهم بكل الوسائل فلن تتطابق قناعاتهم مع قناعة الحكومة تماما .. لذلك تم اتخاذ قرار تغييرهم .. بامثال بعيو واقرانه .
القوة الثانية والتي هي قوة الحياة وارادة المجتمع لا تقل قدرة وخطورة حتى عن قدرة ( غمام البين ) نفسه , في الوقت الذي يزود القصر الجمهوري الشيخ بعيو بمئات البنادق لتسليح ابناء عشيرته , فان أبناء العشيرة يساعدون شيخهم على تهريب هذه البنادق وبيعها الى البشمركه في الشمال , محولين امل حكومة بغداد الى كارثة عليها .

ويستمر مرجل الغضب بالغليان في العراق الى ان تحل ساعة الخلاص .


لغة الرواية :
ــــــــــــــــــــــ
لغة جاسم الرصيف في كل اعماله لغة رصينة محكمة السبك والصياغة وهذا يشجع اكثر على القراءة له ... كما انه يمتلك القدرة على جعل شخصياته تتحدث بلسانها هي لا بلسان مؤلفها وآرائه .
تتخلل لغته العربية الفصحى الكثير من الكلمات الموصلية الجميلة والمحببة والتي تعطي العمل نكهة قادمة من شمال الوطن .


شخصيات الرواية :
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما يحصل في بعض الافلام السينمائية اليوم حيث يخلطون الشخصيات الانسانية الحقيقية باخرى كارتونية , كذلك كان خليط شخصيات رواية جاسم الرصيف – مزاغل الخوف .
هل رأيتم فلم ( أليس في بلاد العجائب ) ؟ ... حيث هي وحدها الكائن البشري بينما كائنات بلاد العجائب شخصيات كارتونية من العمالقة أو الاقزام .
كذلك شخصيات مزاغل الخوف شخصيات كارتونية تصور عمالقة أو أقزاما ... وعبقرية جاسم الرصيف في هذه الرواية أنها رسمت لنا صورا لأقزام متعملقين ... وأحيانا صورا لعمالقة مقزمين.

الشخصيات التي انتمت الى الحكومة وكل ما يمت لها من دوائر أو مؤسسات كانت من صنف الاقزام المتعملقين .... في حين الشخصيات التي تنتمي الى عموم المجتمع والتي تبحث عن عالمها المدني ومسراتها الصغيرة ... هم عمالقة قزمهم وقع الحرب وجور السلطة ... وألفت انتباه القراء الى ثلاثة شباب في هذه الرواية اسمهم : اخوة عرنة ,, فهم يستحقون وقفة خاصة لتأمل اسلوب بنائهم المتفرد من قبل جاسم الرصيف .

الشخصية الآدمية الوحيدة في هذه الرواية هي واحدة لكنها باربعة وجوه وأربعة أسماء . نستطيع أن نسميها شخصية الانسان العراقي صاحب المعاناة الحقيقية .
وجهها الاول ... شخصية ستار عجقة ( عجقة : كلمة موصلية معناها عند بقية اهل العراق : خبصة ) هذا الولد الجميل , المتعلم الوحيد في قريته , الذي يقبل بكل ما هو بسيط في سبيل تمشية الحياة بأبسط قناعاتها الشريفة .. لكنه يضطر للعمل كمهرب سلاح بعدما سدت بوجهه كل منافذ العمل الشريف .
ووجهها الثاني ... شخصية ( أنا ) , وهي شخصية رجل , ظلت مجهولة لنا الى أن اكتملت صورة ستار عجقة ، تماما عندها توحدت الصورتان في شخص واحد هو ستار نفسه !! .

( أنا ) .... رجل حدثنا عن أنواع الضرب والتعذيب الذي تلقاه في مركز الامن ، والذي حتى وهو يرويه لنا مجنيا عليه .. يخاف من تعريفنا بأسمه , وكأن قول الاسم مرفقا بتفاصيل التعذيب ستكون دعوة جديدة للجناة لاستكمال ما نسوه في دورة العذاب القديمة ...في دورة لاحقة جديدة ... وأن تخفي اسمك فتلك آلية نتبعها كلنا حين يقع علينا ظلم وجور سلطوي غير قابل للتصديق من هوله وشدته .
وجهها الثالث .... شخصية ونسه خباثة , تلك السيدة العاهرة غصبا عنها صنع عهرها كل من الحكومة الجائرة والمجتمع الجاهزة احكامه المسبقة .. ولم يبق عليها الا ان تواصل دورها هذا لسنين وسنين !! .
وهي العاهرة الوحيدة التي كانت تقبل زبائنها بالدفع الآجل .. فهي لم تمتهن هذا الدور لربح مادي ولا لمتعة جسدية , انما فتحت عينها على الحياة لتجد هذا هو دورها بعد ان غيبت السجون والدها ووالدتها بتهمة التآمر على الوطن حين كانا يعملان فراشين في مدرسة .
وهي تهمة جاهزة كانت الحكومة تلصقها باي عراقي من رتبة وزير نزولا الى أي واحد من فاقدي الاهلية العقلية في مستشفى الامراض العقلية .. مرورا بكل مواطن أو مواطنة .. لا بل ان هذه التهمة شملت حتى المقيمين لمدد قصيرة .
وجهها الرابع ..... شخصية نور الهدى تلك البنت الحلوة التي تشتغل عاملة في أحد المصانع والتي نكتشف بعد سرد مطول لسيرتها ومجهولية اصلها والمكان الذي جاءت منه , انها هي نفسها ونسه خباثة ... أو هكذا يراد لنا ان نتصور .

قوادة حكومية اسمها مي حركات ,, تتعرف على ونسه خباثة وتراها جميلة تريد تقديمها الى واحد من الرؤوس الكبيرة لكن هذا كان يريد واحدة عذراء ... فتأخذ القوادة .. ونسة خباثة الى طبيب لترقيعها .. وتعطيها إسما جديدا هو نور الهدى ثم تدفعها في طريق هذا الراس الكبير ... كي تجني منه القوادة قطعة ارض كبيرة في موقع مهم من المدينة .
هذا المقطع من الرواية قاسي وأراه خادش للحياء .. وما كنت اقبله من جاسم الرصيف لولا قراءتي كتاب ( كنت طبيبا للرئيس ) لمؤلفه علاء بشير , يسجل فيه اعترافاته وهو طبيب صدام الخاص انه كان يقوم للقصر بالكثير من هذه الاعمال . ولمن يهمه الاطلاع على كتاب علاء بشير فهو منشور على الموقع الالكتروني صوت العراق / في خانة الكتب .

لماذا أعتقد أن هذه الشخصيات الأربعة .. هي شخص واحد ؟ ... لأن شخصية الانسان العراقي صاحب المعاناة الحقيقية تنطوي على كل هذا .
ليس هناك فرق بين الرجال والنساء ... الانسان أنسان بغض النظر عن أي شيء وكل شيء .

كلنا كنا ستار عجقة الذي سدت عليه المنافذ ولم يعد بامكانه الاستمرار إلا بان يعمل في أمور خطرة كتهريب السلاح ... أو القبول بوظائف بمنتهى المهانة كالعمل سكرتيرا أو تابعا للشيخ شعيط أ ومعيط .. أولاد عم الشيخ بعيو .
وكلنا عانينا التعذيب الذي عانته ( الشخصية أنا ) في سجن العراق الكبير الذي أقفلوا علينا أبوابه منذ العام 1982
وبغض النظر عما اذا كنا قد وشي بنا لتتم استضافتنا في الامن العامة أوالمخابرات لمدد محدودة او غير محدودة ... أم لا !! . ...
كنا كلنا ماديا أو معنويا , قد تم جلدنا بالاسلاك وضربنا فلقة ... والبعض الاخر كان اوفر حظا في التعرف على آليات تعذيب لم يعرفها أحد غيره تفتقت عنها عقلية الجلاد .

وكنا رجالا ونساء يضيع شرفنا مثل ونسه خباثه بلا حول ولا قوة على دفع ذلك ومقاومته عنا ... وربما صور الاستغلال الجنسي هي من أبسط تبسيطات صور ضياع الشرف ... إلا اذا كنتم تعتقدون أن بإمكان الانسان أن يفعل أي شيء كالغدر والخيانة والوشاية وضياع الامانة الشخصية والكذب الاسود غير المبررويبقى شريفا .. لكن شرفه يعاب فقط عند العبث بمناطق حساسة في جسمه رجلا كان أو امرأة ... خصوصا حين يقع ذلك العبث رغم ارادة المجني عليه وموافقته .
وكنا كلنا نور الهدى ... تلك الادمية التي استغلت حتى بأبشع مما يستغل به الحيوان . من قبل الحكومة او المجتمع !! .


في رواية جاسم الرصيف / مزاغل الخوف / هناك ضحك الى حد البكاء , وبكاء الى حد الضحك ... لذلك لا تقرأها في داخل مكتبة عامة .
أختلف مع الاستاذ جاسم الرصيف حول نهاية الرواية خلافا بسيطا ... فهو يحدد تاريخ اليوم الذي بدأت صليات النار تنطلق باتجاه قصر الشيخ بعيو .... واستعمال كلمة القصر يتسع مداها هنا لتصل الى القصر الجمهوري ... ولتجرد صدام من اسمه ... وتعطيه بدلا عنه اسم : شيخ بعيو , حدد الاستاذ جاسم الرصيف هذا اليوم أنه كان في يوم الجمعة التالي لاجتياح العراق للكويت .

غير اني ارى الامور بمنظار أخر ... ففي زمن صدام .. نادرا ما أطلقنا صلية على قصر صدام ... كنا فقط نتكلم ... ونتحمل كيبلات الضرب ... الى أن دفعناه حفظه الله الى اقرار عقوبة قطع اللسان علها تكون رادعا لنا كي نغلق أفواهنا . ويجب أن نعترف أن صدام لم يسقط بنضالنا .... صدام كان وكيلا امريكيا توجته امريكا حاكما مطلقا فوق رؤوسنا .. وتغاضت له عن كل جرائمه ... حتى تلك الجرائم التي تحاكمه عليها الان !! .
تغاضت له حتى عن اجتياحه للكويت !!.. والقوة الغاشمة التي استعملوها لإخراج الجيش العراقي من الكويت لم تستخدم ضد صدام شخصيا بل ضد الجيش والشعب العراقي .

وخلال المدة بين 1991- 2003 كانت قرارات صدام قد لعبت كرة قدم بالعراقيين ... وكان حصاره هو , أقسى وأشد واشنع علينا من الحصار الامريكي وحصار قرارات الامم المتحدة ... وفي جعبه كل واحد منا مئات الحكايات عن الموت بالمجان ليبقى القائد على كرسي قيادته التاريخية الفذة ... ولم يحرك ذلك شعره لا في رأس ولا في مؤخرة الضمير العالمي أو حقوق الانسان . .

بعد أكثر من اثني عشر عاما من التاريخ الذي حددته رواية الاستاذ جاسم الرصيف موعدا لبدء اطلاق النار على القصر ... انتهى دور صدام عند الامريكان ... وسقطت ورقته فجاء اليانكي المدلل على صهوة دبابته لهدم هيكل ( الوكيل القديم ) صدام ورفع انقاضه .... ولم ينس ( الراكب عالعبية أن يحول ويرتاح شوية ) وأن يحمل لنا على تلك الدبابة مجموعة من الوكلاء الجدد الصغار .. عسى أن يكبر واحدا منهم بعد سنة أو سنتين .. ليكون خير خلف لخير سلف !! .
هؤلاء الوكلاء الجدد يتبارون الآن في وصف انفسهم بالمناضلين والمجاهدين .... اما وانهم جاؤا راكبين على الدبابات الامريكية ... فاقول فيهم قوله الشاعر العراقي مظفر النواب ..... يا أولاد ( .. ) ولا أستثني منهم احدا .





mayahmed2005@hotmail.com