في النثر والنثرية . محمد خريف
في النثر والنثرية (7) ... محمد خريف
التاريخ: الخميس 17 فبراير 2005
الموضوع: نقد
التّرقيم / المشهد .... رواية الحرب / حرب الرّواية
- نثريّة التّرقيم في مرافئ الجليد لمحمد الجابلّي (1)
الرّقم علامة لغويّة شأنه شأن أي دالّ. والأرقام لها دوالّ منها ما هو مترسّخ أو متمكّن من معان دون أخرى ، والرقم 1 كالرقم 7 والرقم 100 والمليون والبليار و 1000 يكاد أن ينحصر بالنثّر في سجن الدّلالة المحددة بمعاني الكثرة والتبرك تنفيذا لحتمية الاستعمال عصا السلطة الثقافية والسياسية والأسطورية إلا أن النثرية باعتبارها فعل خلخلة وفك الصرامة ، صرامة الاعتقاد ، جعلت من الأرقام فرصة تهميش وانفتاح على دوالّ أخرى ممكنة للترقيم تحرّر الرّقم ممّا كبّله من قيود الاستعارة المتمكنة التي يصبح فيها العدد3 أو 7 متحكّما في الحاضر والمستقبل بما يرشّحه الذّهن للتقديس، تقديس الهيمنة التي يتعدّى تأثيرها من الذّهن إلى اليد . والتّرقيم يشمل الأرقام الفرديّة والزوجية كما يشمل النّسب في الفوز أو الخسران وحتى السنوات الأشهر الأيام.
والخطاب الرّوائي الحديث لم يخل من التذرّع بالتّرقيم وتدبير أمره إمّا على وجه النثر أي التوثيق مجاراة للخطاب السائد أو النثريّة أي القلع على وجه التناصّ بفعل التحّي والتّجاوز.
ولعلّ الترقيم في مرافئ الجليد لمحمد الحابلي من الظواهر النّثرية المفيدة التي تستقطب الاهتمام "وتضاءل مبتعدا واختفى بسرعة شبح تأملت رقم الهاتف الإيطالي014-512 717 بدت لك سلسلة من الصدف العمياء توجه حياتك بأكملها رحلة 717 ورقم الهاتف في أرض قصية يبدأ ب 717!!" (ص33)
الرقم حيثما وجهته وجهك باعتبارك رحلة بأكملها وقد لا تخفى نثرية الرقم واحد محاطا بسبعة على اليمين وسبعة على اليسار..
"تجاوز "جون" حاجز الشرطة وقصد الطائرة ومضخمات الصوت تردد (الرحلة 717 إلى روما- شركة الطيران البولونية ترحب بكم وتتمنى لكم رحلة هادئة على طائرة البوينغ 727." (ص34)
والرّاوي واع بما لا يدعو للشك بأن هذا الترقيم لم يكن وليد الصدفة "أصابك هلع لا يوصف حين انتبهت لرقم المقعد الذي تجلس فيه رقم 717 وبدا لك أن الصدف لا يمكن أن تكون بهذا التسلسل وأن الأسباب الكامنة التي لا نعلمها هي التي تخط كل شيء... انتبهت لهذا الرقم الذي يتكرر بشكل ملح غريب الطائرة 727 ورقم الرحلة 717 ثم رقم المقعد وبداية رقم الهاتف في مكان قصي... ذكرك رقم بعوالم الغيب لأن الآلهة مغرمة به لأسباب يجهلها الإنسان" (ص35)
الترقيم لم يكن بظاهرة جديدة في الأدب العربي إذ هو في الشعر كما في النثر لها دلالات سياقية مختلفة ومن الأرقام المتواترة في النصوص الأدبية العربية المائة والألف والأربعة وغيرها كالثلاثة والشهر.
والتّرقيم في مرافئ الجليد يحضر نصا ومنصوصا عليه أي بلغة النقد الروائي الحديث خبرا وخطابا بمعنى الرمز والحيثيات. الرقم سلسلة حاضرة أرقاما بالحرف اللاتيني خطابها من الصدف العمياء توجه حياتك بأكملها وموجه الحياة أليس قائدا . إذن تغيرت دلالة الرقم من التعبير عن معنى التمثيل أو القدسية إلى معنى التحكم في رقاب الناس أي في حياتهم وهكذا يصبح الترقيم من هذه الناحية أسلوبا في التعبير عن موقف إيديولوجي راهن يصعب التعبير عنه صراحة فيصير الترقيم تعبيرة نضال اندرجت فيها الرواية، الرواية المقموعة في الداخل :
" أصابك هلع لا يوصف حين انتبهت لرقم المقعد الذي تجلس فيه رقم717 وبدا لك أن الصدف لا يمكن أن تكون بهذا التسلسل وأن الأسباب الكامنة التي لا نعلمها هي التي تخط كل شيء..."
والنثر في مرافئ الجليد سيد الموقف قائم بشكل لافت في كامل الرواية وقرائنه الملاحظة والتحليل والتفسير وصولا إلى الاستنتاج فيقول في الرقم 7 في أسلوب تعليمي:
"- لاحظ أننا نحن نرسمه نحن والهنود بشكل خطين يلتقيان في القاعدة وينفر جان في القمة 7 فهو رمز المطلق واحتضان اللانهائي في حين ترسمونه انتم بشكل يوحي بالحدود والرواية (هكذا في الطبع) والانغلاق وكان أجدادي البابليون يجعلونه رمزا لمجموعة الدب الأكبر والدب الأصغر في علم الفلك ثم ورث عنا اليونانيون الرمز فسموه مجموعة الثريا...." (ص36)
ويستطرد الراوي في هذا المبحث التاريخي بقطع النظر عن مرجعياته التأويلية إلى أن ينتهي إلى استنتاج أو خلاصة لا تختلف عن التفسير السائد المنتظر "تأمل الرقم المنحون على حافة المقعد فبدا له أن شكل الحرف 7 فيه انغلاق فهو محدود ومعقوف ينطوي على زاويتين حادتين في حين أن الرقم 1 فيه انسياب يوحي بالمطلق والثبات سبعتان بينهما واحد متوحد متكبر يجلس بين أسطورتين على عرشه الفخم يلتفت إلى الشرق فيلفاه تائها في سبع سماوات ويسأل عن الأرض الثامنة... فيضحك الواحد سبحانه ثم تأخذه سنة طولها دهور والملائكة من حوله خفافا في حين ينصرف أهل الجنة المخلدون إلى نحر سبع بقرات سمان قربانا طاهرا..." (ص37)
نثر الترقيم يكاد لا يختلف عن نثر المقال الخاص بالعدد 7 فلا يفاجئك بتفسير غير منتظر تخلع منك ما ترسب فيك من نثر القص، قص المقولات الموروثة الجاهزة كما يفعل كونديرا في كتاب الضحك والنسيان لولا هذا الخروج بالألفاظ عن دلالاتها المترسّبة إلى دلالات نقيض في قوله "سنة طواها دهور" أو في سرد قصة الواحد الضاحك سبحانه حيث تطوع المحاكاة الساخرة للنثرية التي يتقد لظاها حسب رأيي لا في نثر الترقيم بل في نثرية المشهد الجنسي الفوضوي الملتهب حبا دمويا "وتجولت يدا "مستر هاردي" في جسد "كريستين" ببطء وبدا لك أن الجسد يلين أو يتلوى كتمثال مطاطي ثم أصابها ما يشبه الخدر فتهالكت متداعية في حضن "مستر هاردي" فحملها بين يديه ومددها على طاولة بيضاء ومسح كامل جسدها بيده وكأنه منوم ثم جال حول الجسد يتفحصه وكأنه جراح ووقف اللحظات كالمنبهر ثم هوى على رقبتها بفم مفتوح خلته (هكذا في الطبع) يقبلها إلا انك رأيت الدماء نافرة حول شفتيه المرتعشين تمتصان بل تنهلان الدماء....." (ص113)
بمثل هذه النثرية العذبة يتقوض صرح النثر ولو على امتداد مسافة ورقية قصيرة سرعان ما يفيق الراوي بعد أن تأخذه سنة لا نوم يقظة قد تأخذه إلى ثقوب عاتمة لا تخلو من سراب البارقة فيعود إلى جادة النثر فيقول
" – لا يمكن أن يوجد الله وأمريكا معا "
أراد الكاتب أن يهذب قولها لكنه لم يجد صياغة أخرى تحمل وزر المعنى..(ص167)
وهل صياغة السرد جعلت لتحمل وزر المعنى وهل يعجز الراوي عن الصياغة أم أن الصياغة تخفف من ثقل المعنى أم تتحداه بنثرية اللامعني
أسئلة قد تطرحها هذه الرواية كما تطرح الطبعة القاهرية أسئلة حول الهدف أو الغاية من إهمال الإشارة إلى كل ما هو تونسي كالطبعة الأولى الصادرة في تونس مما يشرع لمحمد الجابلّي الإنخراط في فن التجريب الروائي وطريقه طويلة شاقة عذبة
- رواية الحرب حرب الرواية في "تراتيل الوأد" لجاسم الرصيف (2)
لا يزال نثر الرواية ملاذا باعتباره رواية حرب تقاوم الحرب رغم تخلي البعض من كتاب الرواية ونقادها عن هذا الرهان لما أفضت إليه بعض التجارب من عجز عن القيام بهذه المهمة. والرواية وإن كانت ولا تزال جنسا أدبيا ناشزا في الأدب العربي فإنها حظيت عند كبار المفكرين العرب بأهمية بالغة للتحول بالذهن العربي من ذهن الشعور بالكمال إلى الشعور بالنقص ، ولذا نرى مفكرا مثل الراحل إدوارد سعيد يحتفي أو يعبر عما تبشر به التجارب الروائية العربية الحديثة من رغبة في تحول تلك الذهنية وبنفس هذا التفاؤل. أقرا رواية "تراتيل الوأد" للروائي جاسم الرصيف .
الرواية ترصد بأسلوب فني مميز وقع حرب الخليج الثانية لحظة بلحظة على امتداد اثنين وأربعين يوما. وتميز الأسلوب أو طرافته يأتي من المراوحة بين أسلوب المذكرة أو اليومية في التاريخ باليوم والشهر والسنة والترتيب لأيام الحرب تلك ، وأسلوب المسرح في لوافت الشخصيات الساردة المتحاورة عن بعد وفق نفس روائي متعدد الأحداث المتباعدة والمتلاقية بالتذكر من ناحية أو الترهين من ناحية أخرى.
" الخميس
17 كانون الثاني 1991
اليوم الأول للحرب" (ص5)
" الأربعاء
اليوم الثاني والأربعون للحرب
27- شباط-1991" (ص306)
أليست هذه يومية أو كنش المذكرة ذلك الجنس الأدبي المعروف في الغرب بإحالته المباشرة على الواقع ، الواقع اليومي ، إلا أن لوافت اليومية خلب بهذه الشخصيات الحائزة مواقع الصدارة مثل "زيدان خلف" و "جواد خلف" و "أم نهاد" و "خلف القشعام" أو "أبو الأبرد البدراني" . هذه الشخصيات تمثل رحى الرواية في سردها التقليدي وقرائنه المضي والغيبة والراهن المتكلم في سردها التحديثي.
* زيدان خلف
أجفلت المرأة في الفراش عندما طرق علينا الإنفجار الأول والأبواب والشبابيك كلها ولم تحتضني متخابثة كما كانت تفعل في أيام قريبة مضت اعتدلت مذعورة حقا.
- بدأت !
قلت لها آسفا وأنا أبحث في ظلام الغرفة عن سجارة قمت بلف تبغها الرديء قبل أن أنام ودوى الانفجار الثاني قبل أن تسألني متظاهرة بالهدوء:- أحقا سنموت؟!.
ولم أرد لها.
كانت نبرة صوتها مخلصة مندفعة أكثر مما كنت قادرا على احتماله في تلك اللحظات مفعمة بضراعة تعتري المحتضر من أجل لحظة أخرى من الحياة سمعت الكثير منها في خنادق القتال في الحرب الماضية لذا شعرت بعجز مطلق عن الكلام." (ص5)
ألم تكن جملة الاستهلال الروائي في "تراتيل الوأد" سوى جملة نبض بالحياة تتحدى الوأد الجديد ، وأد الأنثى السائلة عن مصير الجمع لحظة الاحتضار لا المسؤولة بأي ذنب قتلت دون أن يرد عليها الأنا الذكر الحديث الذي يقدر إخلاصها ويفهم مشاعر حبها لحظة أخرى من الحياة. والعائق اللساني ناتج عن ربط إحساس الحاضر بإحساس الماضي والعكس بالعكس.
ويتواصل التصميم الروائ في جملة الاستهلال مواكبا الأحداث الطبيعية والعسكرية فيتحدث زياد خلف بلغة الراوي السارد عن الرياح والقاصفات الأميريكية والقشعام.
" الأحد
اليوم الثامن عشر للحرب
3- شباط-1991
* زياد خلف
كانت الرياح تضرب جدران الدار بعنف مطلقة صفيرا حادا في الحوش حتى أني خشيت أن تقتلع السقف الطيني أو ينهار جدار فجأة وكان القشعام يغط في نوم عميق وقد لاصقته عصاه....." إلى أن يقول "كانت القاصفات الأميريكية الإستراتيجية (بي52) والمدفعية البحرية من عيار (406) ملم تقصف الجيش في خنادق القتال وكل المدن التي تطالها إضافة عن صواريخ (كروز) ........ وأصبت بأرق مفاجئ تقلبت كثيرا في الفراش ولم أستطع النوم . كانت قوتنا الصاروخية قد ضربت (إسرائيل) و (الظهران) كنا نبادلهم الرعب بالرعب وكانت خشيتي الوحيدة من أجهزتهم الإليكترونية وأسلحتهم المتطورة التي لا نملك مثيلا لها . لم تكن معركة متكافئة قط . ثلاث وثلاثون دولة من بينها ثلاث دول (كبرى)..." (ص132).
مثل هذا السرد المتراوح بين الوصف الميداني والذكر والتذكر والتوقف للتعليق تشترك فيه شخصيات زياد خلف مع جواد خلف وأم نهاد "وظلت ذاكرتي تحتفظ بصوت إطلاقة نارية شقت سكون القرية بين زئيرين من صمت الرياح فترة طويلة. كان صوتها ناشزا حادا مثل معدن يحتك بعنف على معدن آخر.
لا أدري إن كنت واهمة أم أني سمعت هدير طائرات بعيدا. كنت أغلب النعاس والقلق وحكايات اللصوص التي راحت القرية تتناقلها. كثر الجياع قالوا وانتشرت الأمراض والبطالة الإجبارية التي خلقتها طائرات الأعداء باتت تعتصر الفقراء.
هل الفقراء وحدهم المرشحون لأن يكونوا لصوصا في أيام الجوع ؟" (ص135)
بمثل السرد الضارب في النثر تفيض الرواية بالبنى التحتية والفوقية التي لا تتحدث عنها وسائل الإعلام بالقدر الكافي أيام الحرب وهذه البنى تجسمها أخبار معروفة في روايات الحرب كالحديث عن انشغال الناس بأمور الحياة ولو تحت القصف مثل ممارسة الجنس وغيرها من الأمور التي تمارس أيام السلم في العادة
" * أبو الأبرد
بالهن من مخلوقات عجيبة! كانت الواحدة منهن تمرض يومين أو حتى ثلاثة بعد أن أفلحها ولكنها تعود لملاحقتي كقرادة شرهة لأمرضها ثانية وثالثة." (ص151)
وتمتزج مرارة الحكم بالإعدام بالشهوة المتبادلة في حكم (لو) "وبقيت أسلم رقبتي لستة أحكام بالإعدام لأية امرأة تشتهيني أو أشتهيها." (ص151)
ويتواصل الدفق السردي على إيقاع اليومية لوافتها شخصيات ساردة طورا ومسرودة طورا آخر إلى آخر مذكرة في الكتاب.
" الأربعاء
اليوم الثاني والأربعون للحرب
27 شباط – 1991" ( ص306)
في المذكرة استمرار لتأكيد فكرة قديمة متجدد ة أن الحياة وقوامها الجنس تتوصل بالرغم من الحرب وويلاتها وقرينة الحياة طقوس ممارسة الحب عند القطط بحرية.
" * زيدان خلف
أركبتني المرأة عربة جرار. ومرت طائرات الأعداء. فضحكت. تعكزت على جسدها الزجاجي الدافئ . في الأزقة التي خلت من البشر حيث تمارس القطط طقوس الحب بحرية لا مثيل لها. وهي تبتسم." (ص306)
بين الضحك المصرح به الغائم في كامل الرواية والابتسامة المفقودة العائدة تحد في انفتاح على سرد ذات تتأمل حصاد الرحلة ، رحلة من بقي على قيد الحياة يتعكز على من يتعكز عليه في صفحة واجمة بالتأمل والسؤال عن سبب بكاء الناس.
وكأني بالنثر يطفح إلى النثرية في حميمية الرحمة والأمان رحمة مياه الوادي وأمان الأرض الأبدي "كنت قذ ابتلعت حبة الزيتون الأخيرة مشتعلة. كبرت فيّ الآن. أردت أن أتعرى في الشارع. ماذا أقول للآتين؟ سألت.
أجابت. عاشقا كنت. رددت بصوت عال وأنا أضحك. عاشقا كنت. ولم تتغير رتابة الرتل من رفاقي في السلاح كانوا يمرون أبدا قادمين أو ذاهبين من جهة إلى جهة ما. فشعرت بالخجل. توقفت الحرب. لم أر نفسي بين الذاهبين أو القادمين في الرتل. كبرت حبة الزيتون فيّ. وكنت أحاول أن أتعرّى تكفيرا عن ذنب لم أقترفه وخطيئة لم تشوه دمي في عربة الجرار المزدحمة بالناجين من مجازر المدينة وطائرات الأعداء. وكان على (القشعام) أن يتعكز عليّ وأن يمنحني بندقيته لأطلق النار على تلك الصخرة اللعينة وهذا المطر الذي يحاول تفتيت رأسي عاشقا كنت. ورائحة النرجس تقتلني الآن. أريد حبا والمرأة حائرة بين فرح السلم وفزع (النذر) الذي كان عليّ أن أنفذه الآن. وحدها مياه الوادي ترحم جسدي من حماه وجذور القصب تمنحني أمان الأرض الأبدي. توقفت الحرب. علام تبكي الناس?!" (ص306)
أليست صفحة تعزف إيقاع أغنية الذات وفرحها الحزين بانتهاء الحرب دون أن تصرح المعزوفة بما يلقاه القارئ من أم نهاد.
" * أم نهاد
كنت محتارة بين فرحي المفاجئ بنهاية الحرب وحزني على ضحاياها" (ص307)
وتنتهي الحرب بخلف من ضحاياها هو الأنا الراوي الهنا الآن ليعلن عن بداية المعركة معركة الآن. وهكذا يرفض الأنا الذات الاستسلام واليأس وما المعركة إلا معركة الرواية التي تبدأ في نهايتها ولا معنى للبداية والنهاية في لغة الرواية التي تختلف حربها عن حرب القنابل والطائرات وهكذا خرج جاسم الرصيف بثمرة إبداعية تجعل الرواية فنا صعب المراس على عشاق الحرب هي لا ترثي ولا تؤبن ولا تعزي وإنما تقاوم على طريقتها وإن تخلت عن تمجيد البطولة والشعور بالكمال الموهوم والموؤودة يتسع لها قبر أبيها ولم يقترف في حقها ذنبا وصغيرة القتال كبيرة.
" * خلف القشعام
... وظل في وجه السماء متسع لكل الغيوم لذا سأبحث لك يا بني الآن عن إخوة وزوجة وأولاد وطعام وبندقية. الآن تبدأ معركتي" (ص308)
الهوامش:
(1) محمد حابلّي ، مرافئ الجليد ، ميريت الطبعة الأولى القاهرة 2004
(2) جاسم الرصيف ، تراتيل الوأد ، دار الفارس للنشر والتوزيع ، الطبعة العربية الأولى 2000
محمّد خريّف : كاتب وناقد تونسي
krfmohamed@yahoo.fr
0 Comments:
Post a Comment
<< Home