تراتيل الوأد رواية سوريالية .. الدكتورة مي أحمد
تراتيل الوأد رواية سوريالية لجاسم الرصيف
د . مــــي أحمد
Friday, 28 July 2006
النسخة التي بين يدي من الرواية هي طبعتها الثالثة الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 2004 . غير ان غلافها الاخير يقول انها صدرت في طبعتها الاولى عام 1992 وفازت بجائزة الرواية الاولى في العام 1994
ولست أدري هل كان كل ذلك داخل العراق ام خارجه ..... فأنا اعرف ان هذه الرواية قد أحالت مؤلفها جاسم الرصيف الى السجن لمدة عشر سنوات ومنذ ذلك التاريخ لم أعد اعرف عن الرجل الا نتفا من الاخبار من هنا وهناك ... الحمد لله على كل حال وأي حال .
سأقدم قراءتي لهذه الرواية التي تقع في 310 صفحة من القطع المتوسط ... وليسمح لي القاريء الكريم فهي قراءة مليئة باسقاطاتي الذاتية فقد كنت في الموصل أثناء أحداث هذه الرواية ... وفيما بعد في بغداد كي يكتمل مشهد المأساة أمام عيني .
جاسم الرصيف :
قبل اسبوع كتبت ايميلا لصديق شاعر معروف جدا يقيم حتى الان في مدينة الموصل ، سألته ان يحكي لي كل ما يعرف عن جاسم الرصيف ... ومن ضمن ما كتبه لي الصديق الذي اتحفظ على ذكر اسمه هذه الفقرات التي اقتطعها لكم كونها ستدخل في قلب رواية تراتيل الوأد :
(( ولد جاسم الرصيف في قرية ( الهرم ) التابعة لناحية ( حمام العليل ) من محافظة نينوى ، ثم انتقلت عائلته الى (الموصل )، بسبب شح ألأمطار وضآلة محاصيل الحنطة والشعير التي أدمن زراعتها أبوه عن جده عن أبيه ، ودخل جاسم المدرسة حتى تخرج من الثانوية . و كان طالبا غاية في المشاكسات مع المدرسين وحتى الطلاب ، ربما لأنه ألإبن المدلل كونه الذكرالوحيد من بين خمس أخوات أصغر منه ، وربما لأسباب أخرى قد يمر ذكرها لاحقا
.....................
لم تنقطع علاقتهم بالقرية قط ، ولحد ألآن ، وهذه القرية التي تبعد عن ( الموصل ) ثلاثين كيلومترا في أبعد بيوتها عن المدينة ، وتبعد مجرد كيلو مترين عن أهم شارع من شوراع العراق : طريق الموصل ــ بغداد .
مازالت القرية ( حتى 2006 ) تكتال مياه الشرب في الشتاء من بركة كبيرة تجاورها ، يدعوها أهل الهرم ( الخبرة !! ) الملآنة بدعاميص الضفادع وأنواع شتى من الحشرات ، يسخر أهل الهرم من تحذيرات المتعلمين من داعيمصها وحشراتها فيصفونها ساخرين : لحوم غير ضارة في مياه الطبخ والشرب ، ولا بأس من أكلها ! .
......................
ينتمي جاسم الرصيف الى عشيرة ( السادة البوبدران ) الذين يعودون في نسبهم إلى ( بني هاشم ) ، وهذه العشيرة تمتد من شمال محافظة نينوى إلى سامراء والبصرة جنوبا وإلى دير الزور والرقة والحسكة ودمشق في سوريا غربا وألأردن والسعودية ودول الخليج العربي ألأخرى .
كان جده ( خلف حسين عبد الله الرصيف البدراني ) قد نال إرثا من ذويه في دير الزور مما يؤكد لي أنهم قدموا من هناك الى العراق قبل ( سايكس ــ بيكو ) يوم كانت الأرض العربية لمن يسكنها أيا كان ، كما أن جده وعمه ألأكبر محمود ووالده قد ذهبوا لزيارة أقاربهم في دير الزور عشرات المرات على ظهور الخيل .
من أبرز ما علمته العائلة ( الرصيف ) لابنها جاسم ، حب الصيد والرماية .
الشجاعة من أشهر ما هو معروف عن عائلة جاسم ، ولذلك تحاشت العوائل ألأخرى المشاكل معهم ، بعد أن أسس (خلف الرصيف ) للعائلة إرثا عريضا في هذا المجال مذ كان شابا أيام العهد العثماني وضربت المجاعة قرانا في الموصل فترة طويلة فراح ( خلف الرصيف ) يغير على ثكنات الجندرمة ألأتراك ويسرق من مخازنها الطعام لعائلته وعوائل أولاد عمه في نفس الوقت ، وقد خاض عدة معارك مع الجندرمة التركية بسبب سطواته تلك ، خاصة وأن رجالا آخرين من أولاد عمومته قد إنضموا إليه ، فصدرت بحقه ثلاثة أحكام بالاعدام لم يعرها بالا وهو يردد ، ومازلت أتذكر ذلك عنه : مادمت طير برية فلن أخاف أحدا غير الله !! )) .
معنى كلمة الوأد :
حين تفتح القاموس المحيط ستجد من معاني كلمة الوأد
# دفن البنات المولودات وهن حيات كما كان يحدث في زمن الجاهلية
# الصوت المنبعث عن انهيار كيان ضخم
أما تراتيل الوأد ... فهي هدير الطائرات القاصفة وأصوات الانفجارات وصراخ البشر الذي صاحب انهيار كيان ضخم .. قد يكون هذا الكيان هو العراق ... لكني بصورة أدق أراه انهيار كيان العراقي ... كما ستحصل في نهاية الرواية حادثة وأد لبنت يقل عمرها عن سنة .
ثيمة الرواية :
الثيمة أو جوهر الفكرة التي أسست الرواية تريد القول : ( الحدث كان أكبر منا لذلك انهارت صورة المثال في أعيننا .. فنكصنا ) .
والنكوص كما سنرى سيكون نكوصا فرديا .. ونكوصا اجتماعيا .
ما معنى النكوص ؟
في مفاهيم علم النفس ومفاهيم علم الاجتماع ... ينشأ الانسان صغيرا ثم يكبر، لكل مرحلة عمرية من حياته نوع من السلوك والاعتماد على الغير ، حين يكون الطفل رضيعا فهو يعتمد على الغير تماما وحين لا يلبي له الغير متطلباته فهو يبدا بالبكاء .
كلما كبر هذا الرضيع قل اعتماده على الغير وقل بكاؤه .. الى ان يصير رجلا بالغا كاملا قادرا على تصريف كل أموره بنفسه دون تذمر أو شكوى حتى لو كان واقع الحال يتطلب ذلك .
يحصل في حياة البعض منا أن تقع لهم مشاكل أكبر من طاقتهم أو قدرتهم على المواجهة أو التحمل ، عندها يتخذ بعض البشر من النكوص ميكانزم دفاعي ليساعدهم على المقاومة والاستمرار ... فينكصون الى مرحلة عمرية أقل ، حين كانوا يطلبون العون من الغير ، الأب أو الاخوة أو الاهل والاصدقاء ... وهذا ليس عيبا اذا كان لفترة محدودة جدا .. لكن بعض الافراد تكون مشاكلهم كبيرة وحادة لا يستطيعون مواجهتها حتى بعد انتهاء أزمتها ، عندها يتقوقعون داخل حالة النكوص ولا يغادرونها بعد ذلك .. عندها يتحول النكوص الى حالة نفسية أو مرض نفسي .
أما النكوص الاجتماعي فمصيبته أكبر وأعم وأشمل . المجتمع الانساني يعيش مثل كائن حي يولد طفلا ثم يكبر وتعتريه عوارض عدة . حين ينمو المجتمع سليما فانه يمارس آلياته في التفكير والتعلم وممارسة الحياة والقيم بشكل طبيعي ، والانسان بطبعه محب للتغيير والتطور .
تحصل في بعض المجتمعات حركات لنبذ القديم واحلال الجديد محله في التفكير واسلوب الحياة ، ومن سوء حظ ذلك المجتمع المعين ، أن تترافق مع حركته التجديدية آفة لا علاقة لها بالتجديد ، فيضان أو غزو جراد ، أو حرب لسبب عادل أو غير عادل ، هذه الآفات تصيب المجتمع بأذى فادح يكون غير قادر لاعلى رده .... ولاعلى تحمله .. عندها ينكص المجتمع .
لكن المجتمع لا أب له أو اخوة أو أصدقاء ... اذن كيف سيكون نكوصه ؟
حين ينكص المجتمع .. فانه يتخلى على الفور عن جديده في التفكير واسلوب الحياة .. ويعود ليس الى القديم .. بل الى ما هو أقدم منه ، فيحاكيه في الافكار واسلوب الحياة .. لا بل أحيانا حتى في طراز الملابس .. ألم تلاحظوا كم الرجال الذين عادوا الآن الى ارتداء الدشداشة والعباية مع انهم الى ما قبل سنوات قليلة كانوا يرتدون الزي الرجالي المتعارف عليه عالميا ؟
ولن نتحدث عن الحجاب مخافة أن تدخلونا في متاهات نسائية اذا كان لها اول فليس لها آخر .
وليت الامور توقفت عند هذا ... فالناكصون الأوائل سيبدأون بمحاربة من لم يعتريهم النكوص باعتبارهم خارجين على اجماع الملة ... وتستمر العملية الى ان يندحر المجتمع بأكمله ... فكريا وثقافيا وحضاريا .. قبل أي أي شيء آخر .
قصة الرواية :
القصة التي تدور بين ارجائها أحداث رواية تراتيل الوأد هي قصة عائلة مكونة من أب وثلاثة من أبنائه أثناء فترة العمليات العسكرية التي صاحبت إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991 .
حبكة الرواية :
حبكة الرواية حبكة هشة فهي ليست صراع بين قوتين حتى لو كان بينهما أي مقدار من الفرق في القوة .
بل هي هذيانات أو ( تراتيل ) تتداخل فيها الاصوات والكلمات والصور الى الحد الذي ترى وتسمع فيه كل شيء ، لكنك في نفس الوقت لاترى شيئا ولا تسمع شيئا .. لأن فوضى الحرب تخلط الحابل بالنابل .
صورة حبكة الرواية تشبه بالضبط صورة حجر ضخم يقذف بقوة الى بركة ماء محيلا إياها الى رذاذ متناثر في كل الإتجاهات حيث لارابط ولا سلطة ولا قيمة . عندها يقع الانهيار .
الاسلوب السردي للرواية :
اعتمد جاسم الرصيف على اسلوب كتابة يوميات الحرب يوما بيوم منذ يومها الاول 17 كانون الثاني 1991 ولغاية يوم وقف العمليات العسكرية للحرب في 27 شباط 1991 .
غير انه اتبع آلية مضافة وهي أن تقوم الشخصيات الرئيسة في الرواية بسرد الاحداث كل من وجهة نظرها .. وهذا بقدر ما يكشف لنا أمورا كنا نجهلها .. بقدر ما يضعنا أمام حيرة كبيرة اذ لاندري معها من نصدق ومن نكذب .
كنت قد تعرفت على هذه الآلية في الكتابة عند الكاتب الياباني راينوساكي أكوتاجوا في رائعته راشامون التي لا تقل كآبة ومأساوية وغموضا عن تراتيل الوأد عند جاسم الرصيف .
الرموز في الرواية :
بنت الجن ، رصاصة الشيش خان ذات الست خناجر ، البرتاوات ، الثعالب ، الكلاب ، الغزلان ، الانكليز ، العثمانيون ، مقبرة الطعس .
كلها كانت رموزا أحسن جاسم الرصيف استعمالها في الرواية محولا اياها الى جرح ممض عصي على الشفاء .
لغة الرواية :
لغة الرواية كانت من المحكي اليومي في أي مكان من العراق . عدا لغة خلف القشعام ، فقد كانت لغة محملة بالرموز والالغاز ويتداخل بها عقل ولسان ثمانية شخصيات تحمل اسم القشعام .
استطاعت هذه اللغة التي واربها جاسم الرصيف بين البوح والكتمان أن تسمي لنا كل شيء دون أن تقول شيئا .. كانت تتكلم في عقولنا .. دون أن تتكلم بلسانها ، وحين يصير ما في ذهنك خطرا وتعاقب عليه السلطة الحاكمة ... فأنت الذي تصورت ذلك .. لا الشخصية حكت ، ولا مؤلفها كتب ... ومع هذا .... لم يعف جاسم الرصيف من عقوبة السجن عشر سنوات ... ليس بسبب روايه تراتيل الوأد ..... ولكن بسبب ما كان يقوله خلف القشعام بالتحديد .
شخصيات الرواية :
أحسن جاسم الرصيف استغلال شخصية جده ( خلف الرصيف ) ليؤسس منها شخصية ( خلف القشعام ) . وهي شخصية اسطورية تمتلك ثمانية وجوه وثمانية اسماء هي : خلف القشعام ، أبو الابرد البدراني ، خلف أبو الابرد القشعام ، خلف البدراني ، خلف أبو الابرد البدراني ، أبو الابرد ، البدراني ، القشعام البدراني .
وانت تقرأ كلام القشعام في كل وجوهه وأسمائه عن الانكليز والعثمانيين والجوع والشجاعة والبطولة .. تتبادر الى ذهنك شخصية ( القائد الضرورة ) ... ولم يكن يعوز جاسم الرصيف إلا أن يسمي القشعام ( صدام ) حتى تتوضح الصورة نماما .
وبربط القشعام بواقع الرواية الذي هو يوميات الحرب العالمية ( الاولى ) على العراق من ثلاثة وثلاثين دولة ... يصبح من الضروري الكلام عن ( القائد الضرورة ) الذي لم تذكره الرواية باسمه أو شهرته أو كنيته ولا مرة واحدة .. لامدحا ولاذما ولا حتى ذكرا عابرا ، وذلك مبرر جدا ما دام خلف القشعام قائما بدله وعوضا عنه .
وحين تصل المواقف الى أقسى أزماتها .. تسمع جاسم الرصيف يقول (( وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة )) في كناية عن قهوة ودخان مضيف القائد الضرورة الذي سببت لنا سياسته كل تلك المآسي ... السياسة التي لم تكن تمتلك غير الكلام الذي ليس له أي معنى ، ونحن نقاسي أصعب مآسينا الشخصية ، في سبيل خبال وجنون العظمة الذي كان يراود القائد كل حين .
( خلف القشعام ) الذي في الرواية أب لثلاثة أولاد . جواد وزيدان والمفقود .
(جواد ) ابن القشعام البكر ... هاجر الى المدينة ويرفض العودة للقرية رغم كل قساوة ظروف الحرب .
( سايب ) كما يسميه ابوه ...... لكن هذا السايب كانت له عائلة ، زوجة وولدين وطفلة رضيعة مشلولة تماما ، ومن سخرية القدر .... كان اسمها : أمل
ستقرأون فصولا مثيرة للغثيان الى حد التقيؤ .. كيف كان ( جواد القشعام ) يجمع لعائلته فضلات الطعام ... من تنكات الزبالة في أحياء الموسرين .... فقط من أجل إبقاء أفراد العائلة أحياء ، كانوا كل ماله في الحياة ، ولم يكن يستطيع أن يفقدهم بسبب شيء بسيط لا أهمية له اسمه : الجوع .
كان يجمع تلك اللقم تحت قصف المقاتلات الامريكية ... ومع هذا .... ففي نهاية الرواية ، يفقد جواد القشعام زوجته وولديه .... ولن تبقى معه غير ( أمل ) المشلولة تماما والتي لا يتحرك فيها غير محجري عينيها .
( زيدان ) ابن القشعام الأوسط ..... أخذته قادسية صدام ( المجيدة ) عدة سنوات ليكون نزيل خنادق الخوف والجوع والموت والألم ... لكنه رغم ذلك لم يفقد انسانيته ، ولا حبه للحياة .
في فترات إجازته من الجيش كان يعمل مثل حمار من أجل أن يجمع مبلغا من المال قيمته 2500 دينار عراقي .... بعد اجتياح العراق للكويت صارت لا تساوي ثمن عدة أرغفة من الخبز ، أو علبة سجائر . ومع هذا تحمل زيدان خلال فترة الحرب العالمية الاولى من 33 دولة على العراق ، مسؤولية والده .. وزاد عليها مسؤولية تحمل عبء عائلة من أم وثلاثة أطفال ، أضاعوا بطاقتهم التموينية ، إلتقاهم صدفة عند البقال الذي يسلم حصص البطاقة التموينية للمواطنين .
( المفقود ) ابن القشعام الأصغر .. ذلك الذي لم تنبت لحيته ولا نبت شارباه .. والذي لم يزل رذاذ الحليب حول فمه عندما استدعته طبول الحرب ليكون واحدا من حمله أسلحتها وراياتها .. لكنه يفقد على الفور ، هل هو ميت ؟ هل هو حي ؟ ... جرح ممض لايعرف معناه إلا من فقدوا أعزاء أحبة في نفس الظروف .
ذلك المفقود ، لم يمنحه جاسم الرصيف اسما ... لأنه كان كل الذين فقدهم الوطن .. كان أنت وأنا وهو وهي ... بعضنا فقد بالموت ، وبعضنا فقد بالتهجير ، وبعضنا فقد بالهجرة الاجبارية ، بعضنا ضعنا أسرى ، وبعضنا غيبتنا سجون الظلم ، وبعضنا فقد حين تقوقع على نفسه وأغلق باب بيته وباب عقله وصارميتا حيا يأكله الألم ...... مهما كانت نوعيه محننا فقد لمتنا صفة واحدة هي أننا ( مفقودون ) .
حين تنتهي يوميات الحرب في فعالياتها العسكرية ... سنجد زيدان الابن الاوسط ... يصرخ مولولا ينادي القشعام بكل أسمائه عله يجيب .... ولكن لا حياة لمن تنادي .
زيدان البطل الذي ضاع عمره في الخنادق والذي عانا ما عانا دون سؤال أو شكوى ... انهار ونكص . اذن من سيصمد في محنة تلك الايام ؟
أما جواد الابن الاكبر فقد كانت مأساته أكبر ... اثناء الحرب فقد زوجته وولديه في ظروف غامضة ولا يعلم موتهم من حياتهم ... ولم تبق معه غير أمل المشلولة التي لا يتحرك منها غير محجري عينيها .
عند ذاك ينكص هو الآخر ... يحمل ابنته ويذهب الى عند القشعام ، الذي ينصحه بدفن أمل أو وأدها ... في قبر القشعام نفسه ... القشعام يقول لولده جواد : لاصغار عند الشعوب التي قدر الله لها القتال ... يكاد قبري يتسع لها الآن فادفنها هناك .
تماما مثل قبر البعث اليوم عند اجتثاثه ، كم ستدفن فيه من ذكرياتنا وجهودنا وسيرنا الشخصية ، لا لشيء إلا لأنها تزامنت مع فترة كان فيها صدام والبعث هو الحاكم والمتحكم ... ولست أدري عندما يحكم بلدك حاكم ظالم ، هل عليك أن تغادر البلد وتتشرد لتثبت نظافتك ؟ اذا كان المنطق هكذا ، فهل كل أهلنا الذين بقوا في العراق مشكوك في أمرهم ؟؟؟!!!!!
شهادتي على وقائع الحرب :
يسرد جاسم الرصيف في وقائع اليوم الآول للحرب كيف ان الحيطان اهتزت ورشقهم نثار الزجاج المتطاير بالعديد من الجروح .
في نفس تلك اللحظة كنت أنا نائمة في الطابق الخامس من فندق نينوى ابروي صحوت على صوت طرق عنيف على الباب ، حين فتحت البا ب كانت الهندية المس كانجي مديرة استقبال الفندق تطلب مني بهلع أن انزل الى الملجأ ، صرخت بوجهي بالانكليزية : حـــرب ... حــرب ، لقد بدأت الحرب .
الضربة الاولى على مدينة الموصل كانت حين أغارت القاصفات القادمة من قاعدة انجرلك التركية على مخازن الذخيرة والعتاد العسكري العراقي في بادوش فأحالت الحياة في الموصل خلال العشرة أيام المقبلة الى كابوس مرعب ... كل عدة دقائق يثور كدس عتاد وينفجر مزلزلا الارض تحت أقدام كل من في الموصل .
عند الساعة الثانية صباح اليوم التالي .. أغارت نفس الطائرات على محطة تلفزيون الموصل وضربت شبكة المايكروويف ومنظومة الكيبلات المحورية ، لتعطيل كل الاتصالات المدنية والعسكرية .
بعد عشر ساعات ... وكانت الواحدة ظهرا في اليوم الثالث من الحرب ، رأيت القاصفة العملاقة تطير بحماية أربع طائرات مقاتلة صغيرة الحجم ... وقفت فوق سايلو حبوب الموصل وأفرغت حمولتها .
وحين صحونا صباحا في اليوم الثامن من الحرب ... وجدت القاصفة قد أفرغت حمولتها فوق الدائرة البديلة التي كنت قد أرسلت من بغداد لشغلها طيلة مدة الحرب ، محيلة أياها الى حفرة بعمق حوالي 15 متر ، وكان ذلك مقصودا ، فقد ظن القاصفون اننا ربما نمتلك طوابق تحت الارض نخفي بها الاجهزة الثمينة التي هربنا بها من بغداد لإخفائها في أماكن بعيدة آمنة .
نحن دائرة مدنية لا علاقة لنا بالعسكر إطلاقا .... لكني بعد أربع ساعات من قصف دائرتي وجدت ضابط استخبارات عسكرية يسلمني ورقة فيها أمر من العاصمة بترك كل شيء على حاله والعودة الى بغداد .
ولن أحكي لكم عن مأساة العودة الى بغداد بقطار الليل وتحت القصف فتلك حكاية اخرى .
حين وصلت الى بغداد في الثامنة صباحا ... كانت خالية الى حد الرعب ... ولم يكن يشغلها غير أعمدة الدخان .
سيارة شرطة النجدة نقلتني الى بيت أهلي فوجدته مقفلا .. وورقة ملصقة على زجاج النافذة تخبر انهم سافروا الى اهلنا في كركوك . حملتني السيارة الى بيت أهل زوجي .. وجدته مقفلا أيضا كانوا قد غادروا الى مدبنة الشامية .... أما زوجي فقد كان جنديا وحدته في مدينة ميمك على الحدود العراقية الايرانية .
عدت الى بيتي ، طرقت أبواب شارعنا بيتا بيتا ... ولم أجد فيها أحدا . عدا بيت في نهاية الشارع تشغله سيدة مسنة وولدها جندي وحدته في بغداد لذلك هو يأتي الى البيت كل ثلاثة أو أربعة أيام .
هل يمكن أن تكون هناك كلمات تصف حال الانسان عندما يشغل المدينة وحيدا ... لا ينتظر غير غارة الغروب أو غارة الفجر ... بلا ماء أو كهرباء أو غاز أو نفط ؟ .
عشت لأكثر من اسبوع فقط على الجزر المبروش ... حين يأتي وقت الوجبة .. ابرش جزرة في صحن وآكلها بالملعقة واشرب بعدها كوب ماء . وكنت موقنة أنني سأتحول ذات يوم الى أرنب ، أما بسبب الحرب ، وأما بسبب الجزر .
منطقتنا السكنية مليئة بالمواقع التي يجب قصفها .. غير اني لن أشهد ليلة مدمرة من الرعب مثل تلك الليلة التي أغاروا فيها على فرع أبو جعفر المنصور للحزب ... كان رعبا يفوق أي تصور وخارجا عن كل حدود الادراك .
في صباح اليوم التالي بحثت عن دائرتي ... وجدتهم يشغلون الملجأ رقم ( .. ) المجاور لملجأ العامرية ... انتظمت للعمل معهم اثناء النهار ... وفي الليل كنا ننام في الملجأ ايضا . مع العوائل التي كانت تأتي للاحتماء من هول تلك الليالي .
قبل عشرين ساعة من قصف ملجأ العامرية كنا قد علمنا ( أن السيد الرئيس وبصحبته ضيفه الروسي بريماكوف ) قد باتا الليلة الماضية في ملجأ العامرية .
من هو بريماكوف ؟
ولد بريماكوف في مدينة كييف بأوكرانيا سنة 1929 وتخرج من معهد موسكو للدراسات الشرقية سنة 1956 وعمل في راديو موسكو / قسم البلدان الاجنبية . ثم حصل على الدكتوراه في الاقتصاد سنة 1959 . درس اللغة العربية وأجادها ويتكلم اللهجة العراقية الدارجة بشكل متقن . قضى بريماكوف فترة الستينات في المنطفة العربية مراسلا لصحيفة برافدا وعميلا لوكالة مخابرات ( كي جي بي ) وتعرف عن قرب على معمر القذافي وصدام حسين .
عند عودته من المنطقة العربية صار عميدا لمعهد الدراسات الشرقية حتى عام 1985 أما في العام 1990 فقد صار بريماكوف مستشارا للرئيس غورباتشوف الخاص للشؤون الخارجية .. في تلك الفترة الحرجة من عمر الاتحاد السوفيتي قبل انهياره ... حيث كان التنسيق في كل المجالات بين الروس والامريكان في أعلى معدلاته لأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدين .
في تلك الزيارة أراد بريماكوف الذي يقوم الآن بدور مبعوث امريكي لصدام لإقناعه باعطاء أوامر عسكرية الى الجيش العراقي تأمره بالانسحاب من الكويت .
لكن صدام وكالعادة كان ممتطيا صهوة عناده .. وليكن ذلك نارا وشرارا فوق رؤوس الخلق ، يشجعه على ذلك علمه انه فتى الامريكان المدلل وأنه حتى لو عاندهم فلن يضحوا به ، الظرف الدولي كان دقيقا وهم محتاجون لوجوده لضبط منطقة الخليج خلال الفترة اللاحقة التي سينهار بها الاتحاد السوفيتي .
كانوا من تحليلهم لشخصية صدام ، يعرفون انه ( بطل ) مادامت التضحية بدماء الناس وارواحهم ولكن اذا وصل الخطر الى دمه أو روحه فما أكثر التنازلات المذلة التي يقدمها والتي كان يسميها ( مبادرات ) .
قرر الامريكان انه للحصول على ( مبادرة ) منه يسحب بموجبها الجيش العراقي من الكويت ، ان يضعوه وجها لوجه أمام الموت ( موته الشخصي هو نفسه ) . أرسلوا له بريماكوف ليفاوضه في الانسحاب .. وحين عاند ... قصفوا له ملجا العامرية الذي كان ينام فيه مطمئنا ليلة البارحة .
في اللحظة التي قصف بها ملجا العامرية هرولنا ركضا خارج ملجأنا ... كنا نعتقد اننا سنقصف ايضا . وفي تلك اللحظة .. رأينا صدام وبريماكوف قد وصلا الى الموقع حتى قبل أفراد الدفاع المدني ... وقبل أن يتكاثر الناس في المكان حملتهم السيارة العسكرية وغادرت الى مكان مجهول لقد كانا ينامان في تلك الليلة في ملجأ آخر من تلك الملاجيء الكثر المنتشرة حول القرية الرئاسية .
بعد ثلاثة أو أربعة أيام أطلق القائد ( مبادرة ) دعت الجيش العراقي الى الانسحاب .. فانسحب أولاد الخايبة بشكل غير منظم ... ومن يتفرج على البومات صور الانسحاب ... يدرك أي جريمة لا مسؤولة ارتكبها قائد أحمق بحق جيش مؤدلج مغلوب على امره .
الآن .. وبعد خمسة عشر عاما على جريمة ملجأ العامرية .. يجب أن نسمي الجناة ونحكي قصتهم ، قصة الدم البارد الذي أحرق ما يزيد على الف انسان الى حد التحجر من شدة التفحم ، لإرغام أحمق على اتخاذ قرار . ولا تصدقوا الهراء الذي تناقلته وسائل الاعلام عن الاستهداف الخطأ للملجأ . كل شيء كان قد تم وفق خطة مدروسة باتقان .
وعودة الى جاسم الرصيف ورواية تراتيل الوأد ، لا نملك ونحن نتذكر كل ذلك غير ان نردد مع جاسم الرصيف :
وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة
وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة
وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة
mayahmed2005@hotmail.com
د . مــــي أحمد
Friday, 28 July 2006
النسخة التي بين يدي من الرواية هي طبعتها الثالثة الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت 2004 . غير ان غلافها الاخير يقول انها صدرت في طبعتها الاولى عام 1992 وفازت بجائزة الرواية الاولى في العام 1994
ولست أدري هل كان كل ذلك داخل العراق ام خارجه ..... فأنا اعرف ان هذه الرواية قد أحالت مؤلفها جاسم الرصيف الى السجن لمدة عشر سنوات ومنذ ذلك التاريخ لم أعد اعرف عن الرجل الا نتفا من الاخبار من هنا وهناك ... الحمد لله على كل حال وأي حال .
سأقدم قراءتي لهذه الرواية التي تقع في 310 صفحة من القطع المتوسط ... وليسمح لي القاريء الكريم فهي قراءة مليئة باسقاطاتي الذاتية فقد كنت في الموصل أثناء أحداث هذه الرواية ... وفيما بعد في بغداد كي يكتمل مشهد المأساة أمام عيني .
جاسم الرصيف :
قبل اسبوع كتبت ايميلا لصديق شاعر معروف جدا يقيم حتى الان في مدينة الموصل ، سألته ان يحكي لي كل ما يعرف عن جاسم الرصيف ... ومن ضمن ما كتبه لي الصديق الذي اتحفظ على ذكر اسمه هذه الفقرات التي اقتطعها لكم كونها ستدخل في قلب رواية تراتيل الوأد :
(( ولد جاسم الرصيف في قرية ( الهرم ) التابعة لناحية ( حمام العليل ) من محافظة نينوى ، ثم انتقلت عائلته الى (الموصل )، بسبب شح ألأمطار وضآلة محاصيل الحنطة والشعير التي أدمن زراعتها أبوه عن جده عن أبيه ، ودخل جاسم المدرسة حتى تخرج من الثانوية . و كان طالبا غاية في المشاكسات مع المدرسين وحتى الطلاب ، ربما لأنه ألإبن المدلل كونه الذكرالوحيد من بين خمس أخوات أصغر منه ، وربما لأسباب أخرى قد يمر ذكرها لاحقا
.....................
لم تنقطع علاقتهم بالقرية قط ، ولحد ألآن ، وهذه القرية التي تبعد عن ( الموصل ) ثلاثين كيلومترا في أبعد بيوتها عن المدينة ، وتبعد مجرد كيلو مترين عن أهم شارع من شوراع العراق : طريق الموصل ــ بغداد .
مازالت القرية ( حتى 2006 ) تكتال مياه الشرب في الشتاء من بركة كبيرة تجاورها ، يدعوها أهل الهرم ( الخبرة !! ) الملآنة بدعاميص الضفادع وأنواع شتى من الحشرات ، يسخر أهل الهرم من تحذيرات المتعلمين من داعيمصها وحشراتها فيصفونها ساخرين : لحوم غير ضارة في مياه الطبخ والشرب ، ولا بأس من أكلها ! .
......................
ينتمي جاسم الرصيف الى عشيرة ( السادة البوبدران ) الذين يعودون في نسبهم إلى ( بني هاشم ) ، وهذه العشيرة تمتد من شمال محافظة نينوى إلى سامراء والبصرة جنوبا وإلى دير الزور والرقة والحسكة ودمشق في سوريا غربا وألأردن والسعودية ودول الخليج العربي ألأخرى .
كان جده ( خلف حسين عبد الله الرصيف البدراني ) قد نال إرثا من ذويه في دير الزور مما يؤكد لي أنهم قدموا من هناك الى العراق قبل ( سايكس ــ بيكو ) يوم كانت الأرض العربية لمن يسكنها أيا كان ، كما أن جده وعمه ألأكبر محمود ووالده قد ذهبوا لزيارة أقاربهم في دير الزور عشرات المرات على ظهور الخيل .
من أبرز ما علمته العائلة ( الرصيف ) لابنها جاسم ، حب الصيد والرماية .
الشجاعة من أشهر ما هو معروف عن عائلة جاسم ، ولذلك تحاشت العوائل ألأخرى المشاكل معهم ، بعد أن أسس (خلف الرصيف ) للعائلة إرثا عريضا في هذا المجال مذ كان شابا أيام العهد العثماني وضربت المجاعة قرانا في الموصل فترة طويلة فراح ( خلف الرصيف ) يغير على ثكنات الجندرمة ألأتراك ويسرق من مخازنها الطعام لعائلته وعوائل أولاد عمه في نفس الوقت ، وقد خاض عدة معارك مع الجندرمة التركية بسبب سطواته تلك ، خاصة وأن رجالا آخرين من أولاد عمومته قد إنضموا إليه ، فصدرت بحقه ثلاثة أحكام بالاعدام لم يعرها بالا وهو يردد ، ومازلت أتذكر ذلك عنه : مادمت طير برية فلن أخاف أحدا غير الله !! )) .
معنى كلمة الوأد :
حين تفتح القاموس المحيط ستجد من معاني كلمة الوأد
# دفن البنات المولودات وهن حيات كما كان يحدث في زمن الجاهلية
# الصوت المنبعث عن انهيار كيان ضخم
أما تراتيل الوأد ... فهي هدير الطائرات القاصفة وأصوات الانفجارات وصراخ البشر الذي صاحب انهيار كيان ضخم .. قد يكون هذا الكيان هو العراق ... لكني بصورة أدق أراه انهيار كيان العراقي ... كما ستحصل في نهاية الرواية حادثة وأد لبنت يقل عمرها عن سنة .
ثيمة الرواية :
الثيمة أو جوهر الفكرة التي أسست الرواية تريد القول : ( الحدث كان أكبر منا لذلك انهارت صورة المثال في أعيننا .. فنكصنا ) .
والنكوص كما سنرى سيكون نكوصا فرديا .. ونكوصا اجتماعيا .
ما معنى النكوص ؟
في مفاهيم علم النفس ومفاهيم علم الاجتماع ... ينشأ الانسان صغيرا ثم يكبر، لكل مرحلة عمرية من حياته نوع من السلوك والاعتماد على الغير ، حين يكون الطفل رضيعا فهو يعتمد على الغير تماما وحين لا يلبي له الغير متطلباته فهو يبدا بالبكاء .
كلما كبر هذا الرضيع قل اعتماده على الغير وقل بكاؤه .. الى ان يصير رجلا بالغا كاملا قادرا على تصريف كل أموره بنفسه دون تذمر أو شكوى حتى لو كان واقع الحال يتطلب ذلك .
يحصل في حياة البعض منا أن تقع لهم مشاكل أكبر من طاقتهم أو قدرتهم على المواجهة أو التحمل ، عندها يتخذ بعض البشر من النكوص ميكانزم دفاعي ليساعدهم على المقاومة والاستمرار ... فينكصون الى مرحلة عمرية أقل ، حين كانوا يطلبون العون من الغير ، الأب أو الاخوة أو الاهل والاصدقاء ... وهذا ليس عيبا اذا كان لفترة محدودة جدا .. لكن بعض الافراد تكون مشاكلهم كبيرة وحادة لا يستطيعون مواجهتها حتى بعد انتهاء أزمتها ، عندها يتقوقعون داخل حالة النكوص ولا يغادرونها بعد ذلك .. عندها يتحول النكوص الى حالة نفسية أو مرض نفسي .
أما النكوص الاجتماعي فمصيبته أكبر وأعم وأشمل . المجتمع الانساني يعيش مثل كائن حي يولد طفلا ثم يكبر وتعتريه عوارض عدة . حين ينمو المجتمع سليما فانه يمارس آلياته في التفكير والتعلم وممارسة الحياة والقيم بشكل طبيعي ، والانسان بطبعه محب للتغيير والتطور .
تحصل في بعض المجتمعات حركات لنبذ القديم واحلال الجديد محله في التفكير واسلوب الحياة ، ومن سوء حظ ذلك المجتمع المعين ، أن تترافق مع حركته التجديدية آفة لا علاقة لها بالتجديد ، فيضان أو غزو جراد ، أو حرب لسبب عادل أو غير عادل ، هذه الآفات تصيب المجتمع بأذى فادح يكون غير قادر لاعلى رده .... ولاعلى تحمله .. عندها ينكص المجتمع .
لكن المجتمع لا أب له أو اخوة أو أصدقاء ... اذن كيف سيكون نكوصه ؟
حين ينكص المجتمع .. فانه يتخلى على الفور عن جديده في التفكير واسلوب الحياة .. ويعود ليس الى القديم .. بل الى ما هو أقدم منه ، فيحاكيه في الافكار واسلوب الحياة .. لا بل أحيانا حتى في طراز الملابس .. ألم تلاحظوا كم الرجال الذين عادوا الآن الى ارتداء الدشداشة والعباية مع انهم الى ما قبل سنوات قليلة كانوا يرتدون الزي الرجالي المتعارف عليه عالميا ؟
ولن نتحدث عن الحجاب مخافة أن تدخلونا في متاهات نسائية اذا كان لها اول فليس لها آخر .
وليت الامور توقفت عند هذا ... فالناكصون الأوائل سيبدأون بمحاربة من لم يعتريهم النكوص باعتبارهم خارجين على اجماع الملة ... وتستمر العملية الى ان يندحر المجتمع بأكمله ... فكريا وثقافيا وحضاريا .. قبل أي أي شيء آخر .
قصة الرواية :
القصة التي تدور بين ارجائها أحداث رواية تراتيل الوأد هي قصة عائلة مكونة من أب وثلاثة من أبنائه أثناء فترة العمليات العسكرية التي صاحبت إخراج القوات العراقية من الكويت عام 1991 .
حبكة الرواية :
حبكة الرواية حبكة هشة فهي ليست صراع بين قوتين حتى لو كان بينهما أي مقدار من الفرق في القوة .
بل هي هذيانات أو ( تراتيل ) تتداخل فيها الاصوات والكلمات والصور الى الحد الذي ترى وتسمع فيه كل شيء ، لكنك في نفس الوقت لاترى شيئا ولا تسمع شيئا .. لأن فوضى الحرب تخلط الحابل بالنابل .
صورة حبكة الرواية تشبه بالضبط صورة حجر ضخم يقذف بقوة الى بركة ماء محيلا إياها الى رذاذ متناثر في كل الإتجاهات حيث لارابط ولا سلطة ولا قيمة . عندها يقع الانهيار .
الاسلوب السردي للرواية :
اعتمد جاسم الرصيف على اسلوب كتابة يوميات الحرب يوما بيوم منذ يومها الاول 17 كانون الثاني 1991 ولغاية يوم وقف العمليات العسكرية للحرب في 27 شباط 1991 .
غير انه اتبع آلية مضافة وهي أن تقوم الشخصيات الرئيسة في الرواية بسرد الاحداث كل من وجهة نظرها .. وهذا بقدر ما يكشف لنا أمورا كنا نجهلها .. بقدر ما يضعنا أمام حيرة كبيرة اذ لاندري معها من نصدق ومن نكذب .
كنت قد تعرفت على هذه الآلية في الكتابة عند الكاتب الياباني راينوساكي أكوتاجوا في رائعته راشامون التي لا تقل كآبة ومأساوية وغموضا عن تراتيل الوأد عند جاسم الرصيف .
الرموز في الرواية :
بنت الجن ، رصاصة الشيش خان ذات الست خناجر ، البرتاوات ، الثعالب ، الكلاب ، الغزلان ، الانكليز ، العثمانيون ، مقبرة الطعس .
كلها كانت رموزا أحسن جاسم الرصيف استعمالها في الرواية محولا اياها الى جرح ممض عصي على الشفاء .
لغة الرواية :
لغة الرواية كانت من المحكي اليومي في أي مكان من العراق . عدا لغة خلف القشعام ، فقد كانت لغة محملة بالرموز والالغاز ويتداخل بها عقل ولسان ثمانية شخصيات تحمل اسم القشعام .
استطاعت هذه اللغة التي واربها جاسم الرصيف بين البوح والكتمان أن تسمي لنا كل شيء دون أن تقول شيئا .. كانت تتكلم في عقولنا .. دون أن تتكلم بلسانها ، وحين يصير ما في ذهنك خطرا وتعاقب عليه السلطة الحاكمة ... فأنت الذي تصورت ذلك .. لا الشخصية حكت ، ولا مؤلفها كتب ... ومع هذا .... لم يعف جاسم الرصيف من عقوبة السجن عشر سنوات ... ليس بسبب روايه تراتيل الوأد ..... ولكن بسبب ما كان يقوله خلف القشعام بالتحديد .
شخصيات الرواية :
أحسن جاسم الرصيف استغلال شخصية جده ( خلف الرصيف ) ليؤسس منها شخصية ( خلف القشعام ) . وهي شخصية اسطورية تمتلك ثمانية وجوه وثمانية اسماء هي : خلف القشعام ، أبو الابرد البدراني ، خلف أبو الابرد القشعام ، خلف البدراني ، خلف أبو الابرد البدراني ، أبو الابرد ، البدراني ، القشعام البدراني .
وانت تقرأ كلام القشعام في كل وجوهه وأسمائه عن الانكليز والعثمانيين والجوع والشجاعة والبطولة .. تتبادر الى ذهنك شخصية ( القائد الضرورة ) ... ولم يكن يعوز جاسم الرصيف إلا أن يسمي القشعام ( صدام ) حتى تتوضح الصورة نماما .
وبربط القشعام بواقع الرواية الذي هو يوميات الحرب العالمية ( الاولى ) على العراق من ثلاثة وثلاثين دولة ... يصبح من الضروري الكلام عن ( القائد الضرورة ) الذي لم تذكره الرواية باسمه أو شهرته أو كنيته ولا مرة واحدة .. لامدحا ولاذما ولا حتى ذكرا عابرا ، وذلك مبرر جدا ما دام خلف القشعام قائما بدله وعوضا عنه .
وحين تصل المواقف الى أقسى أزماتها .. تسمع جاسم الرصيف يقول (( وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة )) في كناية عن قهوة ودخان مضيف القائد الضرورة الذي سببت لنا سياسته كل تلك المآسي ... السياسة التي لم تكن تمتلك غير الكلام الذي ليس له أي معنى ، ونحن نقاسي أصعب مآسينا الشخصية ، في سبيل خبال وجنون العظمة الذي كان يراود القائد كل حين .
( خلف القشعام ) الذي في الرواية أب لثلاثة أولاد . جواد وزيدان والمفقود .
(جواد ) ابن القشعام البكر ... هاجر الى المدينة ويرفض العودة للقرية رغم كل قساوة ظروف الحرب .
( سايب ) كما يسميه ابوه ...... لكن هذا السايب كانت له عائلة ، زوجة وولدين وطفلة رضيعة مشلولة تماما ، ومن سخرية القدر .... كان اسمها : أمل
ستقرأون فصولا مثيرة للغثيان الى حد التقيؤ .. كيف كان ( جواد القشعام ) يجمع لعائلته فضلات الطعام ... من تنكات الزبالة في أحياء الموسرين .... فقط من أجل إبقاء أفراد العائلة أحياء ، كانوا كل ماله في الحياة ، ولم يكن يستطيع أن يفقدهم بسبب شيء بسيط لا أهمية له اسمه : الجوع .
كان يجمع تلك اللقم تحت قصف المقاتلات الامريكية ... ومع هذا .... ففي نهاية الرواية ، يفقد جواد القشعام زوجته وولديه .... ولن تبقى معه غير ( أمل ) المشلولة تماما والتي لا يتحرك فيها غير محجري عينيها .
( زيدان ) ابن القشعام الأوسط ..... أخذته قادسية صدام ( المجيدة ) عدة سنوات ليكون نزيل خنادق الخوف والجوع والموت والألم ... لكنه رغم ذلك لم يفقد انسانيته ، ولا حبه للحياة .
في فترات إجازته من الجيش كان يعمل مثل حمار من أجل أن يجمع مبلغا من المال قيمته 2500 دينار عراقي .... بعد اجتياح العراق للكويت صارت لا تساوي ثمن عدة أرغفة من الخبز ، أو علبة سجائر . ومع هذا تحمل زيدان خلال فترة الحرب العالمية الاولى من 33 دولة على العراق ، مسؤولية والده .. وزاد عليها مسؤولية تحمل عبء عائلة من أم وثلاثة أطفال ، أضاعوا بطاقتهم التموينية ، إلتقاهم صدفة عند البقال الذي يسلم حصص البطاقة التموينية للمواطنين .
( المفقود ) ابن القشعام الأصغر .. ذلك الذي لم تنبت لحيته ولا نبت شارباه .. والذي لم يزل رذاذ الحليب حول فمه عندما استدعته طبول الحرب ليكون واحدا من حمله أسلحتها وراياتها .. لكنه يفقد على الفور ، هل هو ميت ؟ هل هو حي ؟ ... جرح ممض لايعرف معناه إلا من فقدوا أعزاء أحبة في نفس الظروف .
ذلك المفقود ، لم يمنحه جاسم الرصيف اسما ... لأنه كان كل الذين فقدهم الوطن .. كان أنت وأنا وهو وهي ... بعضنا فقد بالموت ، وبعضنا فقد بالتهجير ، وبعضنا فقد بالهجرة الاجبارية ، بعضنا ضعنا أسرى ، وبعضنا غيبتنا سجون الظلم ، وبعضنا فقد حين تقوقع على نفسه وأغلق باب بيته وباب عقله وصارميتا حيا يأكله الألم ...... مهما كانت نوعيه محننا فقد لمتنا صفة واحدة هي أننا ( مفقودون ) .
حين تنتهي يوميات الحرب في فعالياتها العسكرية ... سنجد زيدان الابن الاوسط ... يصرخ مولولا ينادي القشعام بكل أسمائه عله يجيب .... ولكن لا حياة لمن تنادي .
زيدان البطل الذي ضاع عمره في الخنادق والذي عانا ما عانا دون سؤال أو شكوى ... انهار ونكص . اذن من سيصمد في محنة تلك الايام ؟
أما جواد الابن الاكبر فقد كانت مأساته أكبر ... اثناء الحرب فقد زوجته وولديه في ظروف غامضة ولا يعلم موتهم من حياتهم ... ولم تبق معه غير أمل المشلولة التي لا يتحرك منها غير محجري عينيها .
عند ذاك ينكص هو الآخر ... يحمل ابنته ويذهب الى عند القشعام ، الذي ينصحه بدفن أمل أو وأدها ... في قبر القشعام نفسه ... القشعام يقول لولده جواد : لاصغار عند الشعوب التي قدر الله لها القتال ... يكاد قبري يتسع لها الآن فادفنها هناك .
تماما مثل قبر البعث اليوم عند اجتثاثه ، كم ستدفن فيه من ذكرياتنا وجهودنا وسيرنا الشخصية ، لا لشيء إلا لأنها تزامنت مع فترة كان فيها صدام والبعث هو الحاكم والمتحكم ... ولست أدري عندما يحكم بلدك حاكم ظالم ، هل عليك أن تغادر البلد وتتشرد لتثبت نظافتك ؟ اذا كان المنطق هكذا ، فهل كل أهلنا الذين بقوا في العراق مشكوك في أمرهم ؟؟؟!!!!!
شهادتي على وقائع الحرب :
يسرد جاسم الرصيف في وقائع اليوم الآول للحرب كيف ان الحيطان اهتزت ورشقهم نثار الزجاج المتطاير بالعديد من الجروح .
في نفس تلك اللحظة كنت أنا نائمة في الطابق الخامس من فندق نينوى ابروي صحوت على صوت طرق عنيف على الباب ، حين فتحت البا ب كانت الهندية المس كانجي مديرة استقبال الفندق تطلب مني بهلع أن انزل الى الملجأ ، صرخت بوجهي بالانكليزية : حـــرب ... حــرب ، لقد بدأت الحرب .
الضربة الاولى على مدينة الموصل كانت حين أغارت القاصفات القادمة من قاعدة انجرلك التركية على مخازن الذخيرة والعتاد العسكري العراقي في بادوش فأحالت الحياة في الموصل خلال العشرة أيام المقبلة الى كابوس مرعب ... كل عدة دقائق يثور كدس عتاد وينفجر مزلزلا الارض تحت أقدام كل من في الموصل .
عند الساعة الثانية صباح اليوم التالي .. أغارت نفس الطائرات على محطة تلفزيون الموصل وضربت شبكة المايكروويف ومنظومة الكيبلات المحورية ، لتعطيل كل الاتصالات المدنية والعسكرية .
بعد عشر ساعات ... وكانت الواحدة ظهرا في اليوم الثالث من الحرب ، رأيت القاصفة العملاقة تطير بحماية أربع طائرات مقاتلة صغيرة الحجم ... وقفت فوق سايلو حبوب الموصل وأفرغت حمولتها .
وحين صحونا صباحا في اليوم الثامن من الحرب ... وجدت القاصفة قد أفرغت حمولتها فوق الدائرة البديلة التي كنت قد أرسلت من بغداد لشغلها طيلة مدة الحرب ، محيلة أياها الى حفرة بعمق حوالي 15 متر ، وكان ذلك مقصودا ، فقد ظن القاصفون اننا ربما نمتلك طوابق تحت الارض نخفي بها الاجهزة الثمينة التي هربنا بها من بغداد لإخفائها في أماكن بعيدة آمنة .
نحن دائرة مدنية لا علاقة لنا بالعسكر إطلاقا .... لكني بعد أربع ساعات من قصف دائرتي وجدت ضابط استخبارات عسكرية يسلمني ورقة فيها أمر من العاصمة بترك كل شيء على حاله والعودة الى بغداد .
ولن أحكي لكم عن مأساة العودة الى بغداد بقطار الليل وتحت القصف فتلك حكاية اخرى .
حين وصلت الى بغداد في الثامنة صباحا ... كانت خالية الى حد الرعب ... ولم يكن يشغلها غير أعمدة الدخان .
سيارة شرطة النجدة نقلتني الى بيت أهلي فوجدته مقفلا .. وورقة ملصقة على زجاج النافذة تخبر انهم سافروا الى اهلنا في كركوك . حملتني السيارة الى بيت أهل زوجي .. وجدته مقفلا أيضا كانوا قد غادروا الى مدبنة الشامية .... أما زوجي فقد كان جنديا وحدته في مدينة ميمك على الحدود العراقية الايرانية .
عدت الى بيتي ، طرقت أبواب شارعنا بيتا بيتا ... ولم أجد فيها أحدا . عدا بيت في نهاية الشارع تشغله سيدة مسنة وولدها جندي وحدته في بغداد لذلك هو يأتي الى البيت كل ثلاثة أو أربعة أيام .
هل يمكن أن تكون هناك كلمات تصف حال الانسان عندما يشغل المدينة وحيدا ... لا ينتظر غير غارة الغروب أو غارة الفجر ... بلا ماء أو كهرباء أو غاز أو نفط ؟ .
عشت لأكثر من اسبوع فقط على الجزر المبروش ... حين يأتي وقت الوجبة .. ابرش جزرة في صحن وآكلها بالملعقة واشرب بعدها كوب ماء . وكنت موقنة أنني سأتحول ذات يوم الى أرنب ، أما بسبب الحرب ، وأما بسبب الجزر .
منطقتنا السكنية مليئة بالمواقع التي يجب قصفها .. غير اني لن أشهد ليلة مدمرة من الرعب مثل تلك الليلة التي أغاروا فيها على فرع أبو جعفر المنصور للحزب ... كان رعبا يفوق أي تصور وخارجا عن كل حدود الادراك .
في صباح اليوم التالي بحثت عن دائرتي ... وجدتهم يشغلون الملجأ رقم ( .. ) المجاور لملجأ العامرية ... انتظمت للعمل معهم اثناء النهار ... وفي الليل كنا ننام في الملجأ ايضا . مع العوائل التي كانت تأتي للاحتماء من هول تلك الليالي .
قبل عشرين ساعة من قصف ملجأ العامرية كنا قد علمنا ( أن السيد الرئيس وبصحبته ضيفه الروسي بريماكوف ) قد باتا الليلة الماضية في ملجأ العامرية .
من هو بريماكوف ؟
ولد بريماكوف في مدينة كييف بأوكرانيا سنة 1929 وتخرج من معهد موسكو للدراسات الشرقية سنة 1956 وعمل في راديو موسكو / قسم البلدان الاجنبية . ثم حصل على الدكتوراه في الاقتصاد سنة 1959 . درس اللغة العربية وأجادها ويتكلم اللهجة العراقية الدارجة بشكل متقن . قضى بريماكوف فترة الستينات في المنطفة العربية مراسلا لصحيفة برافدا وعميلا لوكالة مخابرات ( كي جي بي ) وتعرف عن قرب على معمر القذافي وصدام حسين .
عند عودته من المنطقة العربية صار عميدا لمعهد الدراسات الشرقية حتى عام 1985 أما في العام 1990 فقد صار بريماكوف مستشارا للرئيس غورباتشوف الخاص للشؤون الخارجية .. في تلك الفترة الحرجة من عمر الاتحاد السوفيتي قبل انهياره ... حيث كان التنسيق في كل المجالات بين الروس والامريكان في أعلى معدلاته لأول مرة في تاريخ العلاقة بين البلدين .
في تلك الزيارة أراد بريماكوف الذي يقوم الآن بدور مبعوث امريكي لصدام لإقناعه باعطاء أوامر عسكرية الى الجيش العراقي تأمره بالانسحاب من الكويت .
لكن صدام وكالعادة كان ممتطيا صهوة عناده .. وليكن ذلك نارا وشرارا فوق رؤوس الخلق ، يشجعه على ذلك علمه انه فتى الامريكان المدلل وأنه حتى لو عاندهم فلن يضحوا به ، الظرف الدولي كان دقيقا وهم محتاجون لوجوده لضبط منطقة الخليج خلال الفترة اللاحقة التي سينهار بها الاتحاد السوفيتي .
كانوا من تحليلهم لشخصية صدام ، يعرفون انه ( بطل ) مادامت التضحية بدماء الناس وارواحهم ولكن اذا وصل الخطر الى دمه أو روحه فما أكثر التنازلات المذلة التي يقدمها والتي كان يسميها ( مبادرات ) .
قرر الامريكان انه للحصول على ( مبادرة ) منه يسحب بموجبها الجيش العراقي من الكويت ، ان يضعوه وجها لوجه أمام الموت ( موته الشخصي هو نفسه ) . أرسلوا له بريماكوف ليفاوضه في الانسحاب .. وحين عاند ... قصفوا له ملجا العامرية الذي كان ينام فيه مطمئنا ليلة البارحة .
في اللحظة التي قصف بها ملجا العامرية هرولنا ركضا خارج ملجأنا ... كنا نعتقد اننا سنقصف ايضا . وفي تلك اللحظة .. رأينا صدام وبريماكوف قد وصلا الى الموقع حتى قبل أفراد الدفاع المدني ... وقبل أن يتكاثر الناس في المكان حملتهم السيارة العسكرية وغادرت الى مكان مجهول لقد كانا ينامان في تلك الليلة في ملجأ آخر من تلك الملاجيء الكثر المنتشرة حول القرية الرئاسية .
بعد ثلاثة أو أربعة أيام أطلق القائد ( مبادرة ) دعت الجيش العراقي الى الانسحاب .. فانسحب أولاد الخايبة بشكل غير منظم ... ومن يتفرج على البومات صور الانسحاب ... يدرك أي جريمة لا مسؤولة ارتكبها قائد أحمق بحق جيش مؤدلج مغلوب على امره .
الآن .. وبعد خمسة عشر عاما على جريمة ملجأ العامرية .. يجب أن نسمي الجناة ونحكي قصتهم ، قصة الدم البارد الذي أحرق ما يزيد على الف انسان الى حد التحجر من شدة التفحم ، لإرغام أحمق على اتخاذ قرار . ولا تصدقوا الهراء الذي تناقلته وسائل الاعلام عن الاستهداف الخطأ للملجأ . كل شيء كان قد تم وفق خطة مدروسة باتقان .
وعودة الى جاسم الرصيف ورواية تراتيل الوأد ، لا نملك ونحن نتذكر كل ذلك غير ان نردد مع جاسم الرصيف :
وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة
وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة
وصب للقشعام قهوة وورث له جكارة
mayahmed2005@hotmail.com
0 Comments:
Post a Comment
<< Home